العناوين:

تحالف ظلامي أخطر وأعمق من الثورات المضادة!

الاتحاد برس متابعات :

تحالف ظلامي أخطر وأعمق من الثورات المضادة!
.
.
.
.
لم يعد الحديث الذي انتشر في دوائر الإعلام والسياسة العربية المعارضة عن "الثورة المضادة" كافيا لتفسير ما ترزح تحته الشعوب العربية من قمع واستبداد، فالانتفاضات التي شهدتها الشعوب العربية في 2011 لم تكن وليدة اللحظة.


بل كانت نتاج ضغوط أقدم وأعمق بكثير، كما أنها ووجهت بقوى راسخة شديدة الرجعية والقمع والتوحش، ما زالت تعمل على سحقها بكل قوة وعنف.


قبل الثورات، كان العالم العربي منقسما بين محورين:


- المحور الأول قدم نفسه للجماهير العربية تكتلا للنظم والقوى المعارضة للسياسات الأميركية في المنطقة.


- المحور الثاني ضم القوى الحليفة للولايات المتحدة والداعمة لسياساتها على طول الخط.


لكن الثورات العربية أثبتت هشاشة هذا التقسيم الذي استمر طويلا، ففي النهاية لم يختلف رد فعل النظام السوري الممانع وحليفه الإيراني المقاوم عن رد فعل النظام المصري وحليفيه السعودي والإماراتي الموالييْن لأميركا.


فقد اتفق الطرفان، من دون تنسيق مسبق، على حرمان الشعوب العربية من حقها في الحرية والديمقراطية، وسحق المعارضة بكل قوة وعنف، وعلى بناء نظم أمنيةٍ غاشمةٍ لا تخضع لرقيب، وعلى شن حروبٍ نفسيةٍ لا تتوقف ضد شعوب المنطقة، بهدف تشويه المعارضة من ناحية، وإخضاع الشعوب والقضاء على آمالها في التغيير من ناحية أخرى.


اتفق الطرفان كذلك على التحالف مع أكثر القوى عداءً للديمقراطية والحريات وحقوق الشعوب في الخارج، مثل بوتين وترامب، وقوى اليمين الغربي المتطرّف، وإسرائيل التي احتضنت الثورات المضادة في مختلف بقاع العالم العربي، بما في ذلك سورية.


كما اتفقا على تصدير كل التفسيرات الواهية لشرعيتهما، فتلك الأنظمة موجودة لتحكم بالحديد والنار شعوبا عاجزةً عن حكم أنفسها. شعوب غير مستعدة للديمقراطية (ولن تكون).


والسبب، كما تصدره تلك الأنظمة، هو التطرّف الديني والثقافة العربية والإسلامية الرجعية التي تنتشر في المجتمعات العربية، فالنظم تحكم لأن شعوبها مليئة بالتطرّف وبالمعادين للغرب والشرق والأقليات وإسرائيل.


في حين تقدّم النظم أنفسها حامية للثقافة والفنون والأقليات ودولة الاحتلال. وهو حديثٌ مضلل، يتلاعب بالحقائق، ويخفي وراءه حقيقة تلك النظم وطبيعة تحالفاتها الداخلية والخارجية.


فالإعلام الرسمي الذي تديره المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى يتحدث عن الفنون والموسيقى والآداب من ناحية، ويبرّر أبشع جرائم حقوق الإنسان والاختفاء القسري والتعذيب التي تمارسها الأجهزة نفسها من ناحيةٍ أخرى.


تتفاخر الأنظمة في حديثها مع الخارج بعلاقتها الحميمة مع إسرائيل، لكنها تنشر في الداخل العداء لإسرائيل والسامية والغرب والشرق جميعا مدّعية تآمر العالم كله ضدها.


تتشدّق بالحديث عن حقوق الأقليات والتسامح، ولكنها تعامل الأقليات كما تعامل بقية شعبها. تعاملهم كأنهم عبيد ليس لهم حقوق خارج ما يتكرّم به الحاكم من عطايا وإحسان. وتبرّر، من خلال إعلامها الرسمي وأجهزتها الأمنية، جرائمها ضد الأقليات. ولعل ما حدث في مذبحة ماسبيرو في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 في مصر خير مثال.


حتى القوى الدينية الأكثر عنفا وتشددا هي نتاج لقوى الاستبداد الحاكمة نفسها، فالسعودية دعمت لعقود أكثر الجماعات الدينية تشدّدا.


واستخدمت الحكومة المصرية السلفيين سنوات طويلة لتقويض نفوذ "الإخوان المسلمين" في الطبقات الفقيرة والمتوسطة. لذلك انكشف بعد انقلاب 2013 مدى التقارب بين النظام المصري وبعض أهم شيوخ السلفيين.


أما النظام السوري، فقد دعم حركة الجماعات الدينية العنيفة عبر الحدود العراقية بعد غزو العراق (2013). وبعد ثورة الشعب السوري السلمية في 2011، أطلق من سجونه بعض أكثر قيادات تلك الجماعات خطورة وتشدّدا، وسرعان ما أصبح بعض هؤلاء قادة أكثر الجماعات المسلحة السورية عنفا وتشدّدا، ما ساهم في تشويه صورة الثورة السورية وشق صفوفها، ومن ثم هزيمتها.


ولا يتوقف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والذي قاد انقلابا عسكريا دمويا ضد ثورة يناير ونشطائها السلميين، عن تذكير العالم بأسباب وجود نظامه وضرورة دعمه، وهي قمعه الجماعات الإرهابية، ومواجهته الجماعات المشدّدة دينيا، وتوثيق علاقة بلاده بإسرائيل.


وهي أسبابٌ واهية، فيما عدا موضوع إسرائيل. لذا لم يستطع السيسي مواجهة البرنامج الإعلامي الدولي الوحيد (برنامج 60 دقيقة) الذي تحدث معه بحرية عن الجرائم الحقوقية التي ارتكبها منذ صعوده إلى السلطة. لذلك سعى السيسي إلى منع إذاعة المقابلة، وفشل في ذلك متسببا في فضيحة إعلامية دولية لنظامه.