الاتحاد برس :
في ذكرى الشهيد القائد ..
بقلم/ علي القحوم
هناك من يقول أن العظماء عندما يرحلون تنتقص الأرض من أطرافها وتنطفئ المنارة الكبرى التي كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها للأمة جمعاء, فبرحيلهم تنفطر القلوب طبعا لكونهم حماة الأمة ومنقذيها وركنها الوتيد فهم والله صمام أمنها وقيمها ومبادئها, ولهذا لم أكن أدري عن بكاء الأقلام شيئا لأني لم تعهد سطوري حدثا يستوجب ذلك.
لكني الآن أدركت وبفراق سيد الشهداء وقائدهم وفي هذه اللحظات أسطر أشجاني المتفجرة بماء يفيض من عيني ليخط بعد ذلك معاني الألم والحزن والفراق على من ترجلوا هناك في مران من المؤمنين الأخيار ، ليت شعري كيف أبدو وأنا عاجز عن التعبير، فقلمي ينحني إجلالا وإكبارا أمام قائد المسيرة القرآنية ومؤسسها الأول، فالكلمات تقف تائهة متحشرجة تأبى الخروج وترفض الاستسلام وقلمي حبيس وعاجز عن الحديث عن قائد عظيم جسد أسمى معاني الإنسانية، وفجر بركان الحرية فزلزل عروش الطغاة وأرعبهم وبهذا رسم الواحة الخضراء التي أنبتت زهرا وإقحوانا لا ينضب عطره وعطاؤه ولا يبلى ورقه، فصنع من محاضراته وكلماته جيشا يحمل خارطة العلم والبصيرة والقوة والعمل، وشق طريق الجهاد وعبدها بدمائه الطاهرة، ورسم صورة الإسلام العظيم فخط على وجه التاريخ فأشعل نور القرآن في النفوس وأيقظ الناس من النوم والسبات فهو عبر مسيرته العامرة بالإيمان والعمل وتاريخه الحافل الذي لم يعرف يوما معنى التردد والتراجع أو الخور والانكسار، فهو معطاء وحليم وشجاع يصدع بالحق لا يخاف في الله لومة لائم , فويل لشذاذ الآفاق من تحركوا لإطفاء نور الله وأشعلوا فتيل الحرب على شهيد الأمة وقائدها , فآه من الأيام وما صنعت وآه من الظالمين وما عملوا , لا نامت أعين الجبناء.
هنا الأمة خسرت رمزا من أوفى وأصلب وأكبر وأعظم رموزها في العصر الحديث , رمز سيشهد له التاريخ في أسفاره المعاصرة بفضل السبق والتحرك في تغيير وجهة المنطقة ليس على المستوى الثقافي والسياسي فقط بل ومسارها الحضاري والإنساني وإعادتها إلى قاطرة الحياة من جديد التي ارتضاها الله لنا في القرآن الكريم بعدما أقحمت قسرا في غيابات الموت والذلة والمهانة والارتكاس المعنوي والروحي عقودا من الزمن وفي إعادة برمجتها في واقعها الطبيعي وبوصلتها الحية .. لتعود امة عزيزة قوية مقتدرة تستطيع أن تدفع عن نفسها المخاطر والاستعمار إثر عقود سوداء مظلمة من الضياع والتيه الثقافي والسياسي واللهث وراء السراب.
وهنا لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقف وقفة إجلال وإكبار لقائد هز عروش الظالمين والطغاة وصدع بالحق عندما صمت الآخرون؛ من ذا يكون ذاك، إنه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- الذي ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين , فهو من مواليد 1379هـ بقرية الرويس بني بحر محافظة صعدة , نشأ في رحاب القرآن ومدرسة أهل البيت العظام فنهل من معينها الصافي والنقي حتى تميز بالعلم والحكمة والشجاعة والأخلاق الرفيعة التي جعلت منه قائدا عظيما ومربيا ومرشدا ومن الرجال الذين قل أن يجود بهم الزمان, فهذا الرجل سطر أروع الأمثلة في الأخلاق والشجاعة والقيم الإنسانية , كيف لا وهو حليف القرآن الصادع بالحق مؤسس المسيرة القرآنية صاحب الحجة والحكمة والإقناع, من بنى أمة تأبى الضيم والقهر والاستعباد وتعشق الشهادة, من صرخ في وجه المستكبرين والطغاة والجبابرة .. في الوقت الذي خنع الآخرون وصرفوا أنظارهم عما هو جاري لأمة ضعيفة استقوى عليها عدوها , فاحتل أرضها ونهب مقدراتها وخيراتها ودنس مقدساتها ونال من نبيها وحرف مسارها ودُجّنت اكبر تدجين وبقت تحت أقدام اليهود تئن وتصرخ : هل من مخلص يخرجنا من حياة الذلة والاستعباد؟؛ هنا تتجلى المواقف والأحداث ليحدق فيها سيد الشهداء ليقرأ المشاكل ويستخلص الحلول ويبدأ في مشروعه القرآني المعروف بشعار البراءة المتمثل في “الله اكبر – الموت لأمريكا – الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للإسلام ” ودعا الناس إلى العودة إلى القرآن الكريم ومقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية ورفض سياسة الاستعمار والهيمنة وانتقد سياسة أمريكا وتحرك في مشروع ثقافي سلمي يكفله الدستور والقانون.
في المقابل تحرك النظام الظالم ومن ورائه أمريكا إلى تجييش الجيوش وتسييرها إلى مران في عام 2004م وخيَّر الشهيد القائد ما بين السلة والذلة, فكان الرد “والله لن أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد” ووقف أمام أصحابه مخاطبا كجده الحسين عليه السلام قائلا “ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منا الذلة، أَبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام” وما هذا التحرك السريع من قبل اليهود إلا أنهم التمسوا الخطر فدفعوا بعملائهم لشن الحرب والقضاء على هذه المسيرة القرآنية في مهدها قبل أن تشمل اليمن وربما المنطقة بأكملها , فاليهود لا يريدون أن يتوحد المسلمون تحت قيادة تستطيع أن تعيد للمسلمين أمجادهم وانتصاراتهم في خيبر , وبعد مراسلات ومكاتبات وبعد أن امتلأت السجون بالمعتقلين أعلنت السلطة الظالمة الحرب الأولى , فتحركت جحافل الجيوش ومجنزراتهم وحوصرت مران واستمرت الحرب ما يقارب 3 أشهر ونيف , حيث ارتكبت السلطة الظالمة مجازر يندى لها الجبين وهدمت البيوت على رؤوس ساكنيها فصمد القلة القليلة من كانوا مع الشهيد القائد وسطروا أروع البطولات والملاحم الحسينية.