العناوين:

عطوان : لماذا نتمنّى على السنوار ومُساعديه التأنّي وإطالة أمد دراسته لاتّفاق وقف إطلاق النّار الجديد قبل الرّد رسميًّا؟ وما هي الأسباب التي دفعت أمريكا ووسطاءها العرب للتَّعَجُّل بالعودة للمُفاوضات وصياغتها؟

عطوان : لماذا نتمنّى على السنوار ومُساعديه التأنّي وإطالة أمد دراسته لاتّفاق وقف إطلاق النّار الجديد قبل الرّد رسميًّا؟ وما هي الأسباب التي دفعت أمريكا ووسطاءها العرب للتَّعَجُّل بالعودة للمُفاوضات وصياغتها؟

الاتحاد برس :

عبد الباري عطوان


 


 


 


نتمنّى أن تطول فترة دراسة قيادة حركة “حماس” في قطاع غزة للمُقترحات التي تقدّم بها الوُسطاء العرب بمُبادرةٍ أمريكيّة، وتتضمّن وقفًا لإطلاق النّار لمُدّة عام، وتبادل للأسرى مُقابل عدم إقدام الجيش الإسرائيلي على اقتحامِ مدينة رفح.


 


 


هذه المُبادرة، والعودة إلى المُفاوضات بسُرعة لبلورة تفاصيلها، تأتي إنقاذًا لدولة الاحتِلال، والمشروع الصّهيوني برمّته، ولإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أيّد وما زال يُؤيّد، حرب الإبادة في قطاع غزة.


 


الوعود “الزّائفة” المُتداولة حاليًّا بكثرةٍ حول قيام دولة فِلسطينيّة مُستقلّة، خدعة قديمة مُتَجَدِّدة، تُذكّرنا بأُكذوبة السّلام الكُبرى المُتَجَسِّدة في اتّفاق “أوسلو” الخِياني، ولذلك نُطالب قيادة حركة “حماس” الميدانيّة بالحذر وعدم السّماح بأيّ تطوّعٍ حتّى لو كان تكتيكيًّا باستِعدادٍ لإلقاء السّلاح، وحل كتائب القسّام، والتحوّل إلى حزبٍ سياسيٍّ مُقابل قيام دولة فِلسطينيّة هُلاميّة ورقيّة، فالذين وقفوا خلف هذا الاقتِراح وعملوا على تسويقه لم يقطعوا علاقاتهم مع دولة الاحتِلال، وما زالت بضائعهم تتدفّق إليها في وَضَحِ النّهار.


 


 


 


 


 


هذه الزّيارات المُتبادلة والمُفاجئة بين مسؤولين مِصريين وبمُشاركةٍ قطريّة، في رحلاتٍ مكوكيّة بين القاهرة وتل أبيب تعكس حالة تأزُّمٍ ورُعبٍ في أوساطهم، وفي داخل الكيان الإسرائيلي، وفي الولايات المتحدة (عمّهما) والعالم الغربيّ بأسْرِه لعدّة تطوّرات مِحوريّة استراتيجيّة نُوجزها في النّقاط السّت التّالية:


 




أوّلًا: هؤلاء الوُسطاء العرب ومن خلفهم إدارة بايدن لم ينجحوا في فتح معبر رفح، وإدخال كيس طحين واحد للمُجوّعين في قطاع غزة على مدى ستّة أشهر، فهل “سيضمنون” أيّ اتّفاق بوقف إطلاق النّار، أو يمنعون أيّ خرقٍ إسرائيليٍّ له، أو إعادة احتِلال القطاع وتِكرار حرب الإبادة بشَكلٍ أعنف؟




ثانيًا: أمريكا الآن في حربٍ أهليّة عُنوانها الأبرز ثورة الطُّلّاب “حُكّام المُستقبل”، وعلى أرضيّة إنهاء الهيمنة الصّهيونيّة على القرار الأمريكي، ووقف جرائم هذه الهيمنة المُتمثّلة في مُصادرة قيم الحُريّات الأمريكيّة التي جعلت من أمريكا القُوّة الأعظم في التّاريخ، وأهمّها حُريّة التّعبير.




ثالثًا: توسّع دائرة الثّورة الطُّلابيّة الأمريكيّة في الدّاخل الأمريكي وامتِدادها إلى 23 جامعة لن يزيدها القمْع الأمنيّ، بتحريضٍ إسرائيليٍّ، إلّا اتّساعًا وعلينا أن لا ننْسَ أنّ الثّورة الطُّلابيّة المُماثلة في السّتّينيّات والسّبعينيّات من القرن الماضي هي التي أوقفت حرب فيتنام، وأسقطت النّظام العُنصري الجنوب إفريقي، توأمُ نظيره الإسرائيلي الحالي.




رابعًا: نتنياهو استخدم التّهديد باجتياح رفح كورقة للوصول إلى هذا الاتّفاق لإنقاذِ ماءِ وجهه العَكِر، هذا إذا كانَ موجودًا في الأساس، فقد فشل في القضاء على المُقاومة، واغتيال السنوار تحديدًا، رُغم المُهلة التي أعطتها له الولايات المتحدة، وامتدّت لأكثر من 200 يوم، والذي فشل بالسّيطرة على خان يونس (نِصف رفح) في حربٍ استمرّت أربعة أشهر، وفرّت قوّاته هاربة من الشّجاعيّة وحيّ الزيتون في غزة، وقبلهما جباليا وبيت حانون والمُعسكرات الوُسطى، ولن ينجح في السّيطرة على رفح العُظمى.




خامسًا: جميع كتائب المُقاومة في القطاع في حالةِ استعدادٍ وجُهوزيّةٍ قُصوى، واستفادت كثيرًا من تجاربها في خان يونس، وشِمال القطاع ووسطه، وستستقبل أيّ قوّات إسرائيليّة بمُفاجآتٍ تستحقّها ولم تتوقّعها مُطلقًا.




 




سادسًا: دولة الاحتلال تتفكّك وتتحلّل من الدّاخل، فها هو رئيس المُخابرات العسكريّة الإسرائيليّة يستقيل اعتِرافًا بالهزيمة، وسيلحقه قائد المُخابرات الداخليّة، ربّما اليوم، وكذلك رئيس هيئة الأركان الجِنرال هاليفي، ويوآف غالانت وزير الحرب أيضًا، وأي اتّفاق هدنة أو وقف إطلاق النّار في الوقتِ الرّاهن ربّما يُوقف هذه الاستِقالات، وهذا التّفكيك، وفوق هذا وذاك الهجرة المُعاكسة المُتصاعدة.




 


 


أيّ اتّفاقٍ “مسموم” لوقف إطلاق النّار سيُؤدّي إلى وقف الثّورة الطُّلّابيّة الأمريكيّة بانتزاعِ العُنصر المُفَجِّر، وسيَحول دُون امتِدادها إلى جامعاتٍ أوروبيّة وأستراليّة وكنديّة في العالم الغربيّ، ناهيك عن وصولها إلى جامعاتٍ عربيّة، وفي مِصر خاصَّةً، والجامعات المِصريّة لديها إرثٌ عظيم في هذا المجال، عايشتهُ بنفسي، وكُنْتُ شاهدًا ومُشاركًا في فُصوله المُشرّفة، وهي التي أجبرت ثوراتها في أوائل السّبعينيّات الرئيس أنور السادات على إكمال مسيرة الرئيس الرّاحل جمال عبد الناصر مُهندس حرب الاستِنزاف في سيناء ومُدُن القناة، وتدريب الجيش المِصري على اقتِحامِ سيناء وحائط بارليف في حربِ رمضان عام 1973.


 


 


نتنياهو انهزم، وحليفه بن غفير نجا من انقلابِ سيّارته بأُعجوبةٍ، واللّوبي الصّهيوني في أمريكا بدأ يفقد أنيابه ومخالبه بفَضلِ شواكيش الجامعات، حيث ارتكب مُهندس اللّوبي نتنياهو خطيئة العُمر بالتّهَجُّمِ على الثوّار الطُّلّاب واتّهامهم بمُعاداة السّاميّة وتشبيههم بالنازيّة الألمانيّة.


 


نختم بالتّنويه بالنّائبة الأمريكيّة العُضو في مجلس النوّاب سمر لي الأفرو- أمريكيّة التي هزمت غريمها الدّيمقراطيّ المدعوم صُهيونيًّا، وفازت بالضّربة القاضية والتَّرشُّح مُجَدَّدًا في دارة بتسبرغ في ولاية بنسلفانيا، رغم رصد اللّوبي الإسرائيلي مِئات الآلاف من الدّولارات لهزيمتها بسبب وقوفها إلى جانب الشّهداء في قطاع غزة، وإدانتها لحربِ الإبادة، وأوّلُ الغيثِ طُوفان بإذنِ الله.