الاتحاد برس :
الاتحاد برس- متابعات اعلاميه
عبد الباري عطوان
لم تُوفّق الحُكومة الأردنيّة في رأينا عندما عقدت اجتماعًا لوزراء الخارجيّة العرب لبحث اقتِحامات الجيش الإسرائيلي ومُستوطنيه للحرم القدسي الشريف، لأن مُعظم هؤلاء إمّا “مُطبّعين” أو “مُتواطئين”، أو “غير مُبالين”، فالتصدّي لهذه الاعتِداءات لا يجب أن يتم من خِلال الإدانات والبيانات، وإنما من خِلال المواقف “العمليّة” الدّاعمة لأهل الرباط المُدافعين بدمائهم وأرواحهم عن مُخطّط التّقسيم الزماني والمكاني لهذا الحرم الذي فرَضته السّلطات الإسرائيليّة عمليًّا، من خِلال تجنيد جيشها والآلاف من جُنوده لحماية المُستوطنين، والسّماح لهم بدُخول الحرم بعد إخلائه للمُعتكفين المُدافعين عنه بقُوّةِ السّلاح.
السّلطات الأردنيّة كان يجب عليها أن تستمع أوّلًا للشّعب الأردني وشِعاراته التي ردّدها أثناء احتِجاجاته، لأكثر من 87 نائبًا برلمانيًّا وقّعوا عريضةً تُطالبها بقطع العُلاقات مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي فورًا، وإغلاق سفارته وطَرد جميع الدبلوماسيين فيه، وإلا ما فائدة البرلمان؟
دعوة وزراء الخارجيّة العرب لعقد الاجتماع في عمّان قد يُوصَف بأنّه تهرّبٌ من المسؤوليّة واتّخاذ قرارات عمليّة حازمة بالتّالي لمُواجهة هذه الجرائم والانتِهاكات الإسرائيليّة فمِثل هذه الاجتِماعات التي تُجَسِّد أبشع أنواع “التّكاذب الوطني” هي التي أدّت إلى وصولنا إلى هذا الوضع المُهين في القدس وكُل الأراضي العربيّة المُحتلّة الأخرى.
***
لم يُناشد مُقاوم واحد من المُتصدّين للمُخطّط الصهيوني لتهويد القدس، وتقسيم الحرم القدسي الشّريف أيّ حُكومة، أو حاكم عربي، بالتدخّل لحِماية المُقدّسات أو المُرابطين، بما في ذلك الحُكومة الأردنيّة، لأنهم يعرفون جيّدًا أنهم سيُديرون وجوههم إلى الجهة الأخرى، ولا يُريدون أن يتّخذوا أيّ موقف رجولي مسؤول، ولا يُمانعون أن يُواجه المسجد الأقصى مصير الحرم الابراهيمي في الخليل، ويرتعدون خوفًا أمام المسؤولين الإسرائيليين.
جميع الأراضي العربيّة المُحتلّة في مناطق عام 1948، والضفّة الغربيّة وقِطاع غزّة، تتوحّد هذه الأيّام في جبهةٍ، واحدة على أرضيّة المُقاومة، ومُكافحة الاحتِلال، واعتبار كُل الأراضي الفِلسطينيّة مُستوطنة إسرائيليّة كُبرى، يجب إزالتها بالقُوّة، فجميع الأراضي الفِلسطينيّة للفِلسطينيين، ولا مُساومة عليها.
فعندما تخرج مُظاهرة في حيفا تهتف باسم محمد الضّيف زعيم الجناح العسكري لكتائب القسّام، ولا يستطيع المُستوطنون اليهود هذه الأيّام دُخول أيّ مدينة ذات أغلبيّة عربيّة إلا بحِماية قوّات الجيش الإسرائيلي ويأتي مُعظم المُدافعين عن الأقصى من أمّ الفحم وسخنين والناصرة، واللّد ويافا، وكُل المُدُن والقُرى المُحتلّة الأخرى، فهذه رسالة واضحة إلى كُل الحُكومات، والزّعماء العرب، المُطبّعين، والمُتواطئين، يقول عُنوانها الأبرز: لسنا بحاجةٍ إليكم، ولا إلى جُيوشكم الفاسدة، وجِنرلاتكم المُتكرّشين، ونتبرّأ منكم أمام الله، وسنُدافع عن أقصانا وكرامتنا بدمائنا وأرواحنا.
ليس من بين جميع صواريخ المُقاومة الفِلسطينيّة في قِطاع غزّة، صاروخًا واحدًا من أيّ من 22 دولة عربيّة، (ولا نعرف ما إذا كان البعض سهّل أو غضّ النّظر عن وصوله) وليس من بين جميع البنادق أو السّكاكين التي يستخدمها المُقاومون للاحتِلال الإسرائيلي في الضفّة الغربيّة ومناطق عام 48، بُندقيّة واحدة، أو رصاصة واحدة، أو سكّينًا واحدًا دول عربيّة التي باتت مُعظمها تُنَسِّق أمنيًّا مع دولة الاحتِلال، وتتآمر حُكوماتها معه، وتستقبل مُجرمي حربها في وضَح النّهار، وتُمارس ضُغوطًا شَرِسةً لفرض التّهدئة تجاوبًا مع مطالب أمريكيّة أو إسرائيليّة.
***